على مرّ العصور تعرضت البشرية إلى اجتياحات وبائية عديدة؛ كالطاعون والكوليرا والحمى والإنفلونزا وغيرها، مودية بحياة الملايين من سكان كوكبنا في مشاهدَ مأساوية لا تزال قساوتها حاضرة في ذاكرة الشعوب حتى وقتنا الحاضر.
ولعلّ نظرة سريعة إلى بعض المحن التي عاناها عالمنا مع الأوبئة التي عصفت بسكانه عبر التاريخ قد تكون مفيدة في هذه الأيام التي نخوض فيها معركة أخرى مع جائحة جديدة؛ لاستخلاص نتيجة مفادها أنه في كل محنة كانت الحياة أقوى من الموت.
في عام 430 قبل الميلاد، أودى “طاعون أثينا” بحياة ما بين 75 ألف و100 ألف شخص في المدينة اليونانية. وما بين عامي 165 و190، ضرب “الطاعون الأنطوني” الإمبراطورية الرومانية، متسبباً في تدمير الجيش الروماني، ووفاة زهاء 2000 إنسان يومياً، ليخطف في المحصلة حياة نحو 5 ملايين شخص. أما “الطاعون الأسود” الذي اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352، فقد قضى على نحو ثلث سكان القارة آنذاك، ويرجح أنه أسقط ما يقارب 75 إلى 200 مليون شخص وفقاً للمؤرخ “فيليب دايليدر”. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، اجتاح أوروبا والعالم وباء “الإنفلونزا الإسبانية” عام 1918، ليصيب ما يناهز 500 مليون إنسان، مخلّفاً وراءه ما بين 50 إلى 100 مليون قتيل حسب الإحصائيات الحديثة. وهذا ليس إلا غيض من فيض التحديات والمحن الكبرى التي هددت وجود الجنس البشري الذي واجه فيها أوبئة فتاكة وكوارث طبيعية مدمرة وحروب طاحنة حصدت أرواح مئات ملايين الناس عبر التاريخ.
وها هو عالمنا، اليوم، أمام مواجهة جديدة يفرضها عليه وافد جديد ثقيل الظل؛ هو فيروس “كورونا”، أو “كوفيد 19”. وعلى الرغم من سرعة انتشار هذا الوباء الذي يضرب جميع الأصقاع، إذ أصاب حتى وقت كتابة هذه السطور نحو 180 ألف شخص من بينهم ما يزيد على 7000 لقوا حتفهم وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية؛ إلا أنه ولغاية الآن لا يمكن مقارنته بتلك الأوبئة الفتاكة التي ضربت البشرية عبر التاريخ، فالحالات التي تماثلت للشفاء تقارب 40 في المئة من مجمل الإصابات. وهناك ثقة كبيرة بأن هذا الوباء، كغيره من الأوبئة التي سبقته، لن يكون له حظ في هزيمة الإنسان الذي برهن تاريخياً أن بمقدوره الانتصار على الأوبئة العابرة للقارات، أو احتواءها على أدنى تقدير، بصرف النظر عن حجم الخسائر التي تكبدها العالم. فالعلماء والباحثون، حالياً، يسابقون الزمن في مخابرهم من أجل هزيمة هذا الوباء الجديد، أو حصاره في الحدود الدنيا.
في المقابل، فإن الدور الذي يلعبه الإعلام مهم جداً في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها عالمنا. إذاً، ما الآليات المثلى في عملية بث المعلومة إلى الجماهير؟ وهل يمكن إيصال الخبر من دون تهويل تحت مظلة المسؤوليات الأخلاقية التي يجب أن يتمتّع بها صنّاع الرأي العام؟
في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم اليوم تحت وقع انتشار فيروس “كورونا” الجديد المعروف باسم “كوفيد 19″، استعرضت في الجزء الأول من هذا النص بعض المحن التي عاناها عالمنا مع الأوبئة التي قضت على مئات ملايين البشر عبر التاريخ، وانتصار الإنسان عليها رغم شدّتها. فقد استمرت الحياة، وكانت أقوى من الموت في كل محنة.
واستكمالاً للجزء السابق من النص، سأستعرض في جزئنا الثاني والأخير الدور المأمول من الإعلام في مثل هذه الظروف الاستثنائية، والآليات المثلى في عملية بث المعلومة إلى الجماهير، والمسؤوليات الأخلاقية التي يجب أن يتمتّع بها صنّاع الرأي العام.
إذا كانت الإجراءات الاحترازية التي توصي بها المرجعيات الصحية العالمية ضرورية جداً للحد من انتشار “كوفيد 19″، فإن هذا الأمر يجب ألا يكون مدعاة للهلع عند أفراد المجتمع الإنساني. هنا تبرز قيمة الدور الذي يمكن للإعلام القيام به في أوقاتنا العصيبة التي يمرّ بها عالمنا المرتبك! الإعلام الحقيقي والمسؤول مطالب بلعب دور المهدِّئ الشفاف، إذ في مثل هذه الظروف، يحتاج أفراد المجتمع إلى شكل هادئ ورصين في عملية بث المعلومة إليهم، فضلاً عن حاجتهم الماسة إلى الدعم المعنوي والتخفيف من الآثار الناجمة عن “صدمة المواجهة” مع هذا التحدي الجديد. إلى جانب ذلك، من المفيد تشكيل المعلومة في إطار إيجابي، قدر المستطاع، على خلفية أن الإنسان استطاع على مر التاريخ الانتصار على العديد من الأمراض الوبائية المماثلة التي أسقطت أعداداً هائلة من الضحايا بسبب التفشي الكبير لتلك الأوبئة في العالم.
غير أنه ومع السيل الجارف للقصص السطحية والفوضى العارمة في تناقل المعلومات والأخبار التي تفيض بها وسائل التواصل الاجتماعي، تصبح معركة الإعلام ذات شقين؛ الأول: استقاء المعلومات من المصادر الطبية المتخصصة ضمن أخلاقيات المهنة وإيصالها بكل أمانة بعيداً عن التهويل وإثارة الذعر بين أفراد المجتمع.. أما الشق الثاني، فيتمثل في محاولة لجم الفوضى واللامسؤولية التي تهيمن عموماً على تلك الوسائل التواصلية عبر الوسائل ذاتها الخاصة بالمؤسسات الإعلامية. ومع مرور الوقت، سيدرك المتلقّي أنه كلما ازداد وعياً نأى بنفسه بعيداً عن الانخراط في “المماحكات” وهدر طاقاته الذهنية والجسدية على هذه المنابر “الحرّة”! واتجه أكثر صوب نوع من التأمل المعرفي والمحاكمات المنطقية؛ للتحقق من صدقية الأخبار التي تضخها ماكينات الإعلام في العالم على مدار الساعة.
وإذا كان الخط الفاصل بين العلم والخرافة رفيعاً للغاية، فإن هذه المسافة هي ذاتها التي تفصل بين الإعلام الرصين المسؤول الذي يؤدي بوظيفته في المجتمع على أكمل وجه، وبين اللهاث وراء رمي المعلومات كيفما اتفق بصرف النظر عن آثارها.
في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم اليوم تحت وقع انتشار فيروس “كورونا” الجديد المعروف باسم “كوفيد 19″، استعرضت في الجزء الأول من هذا النص بعض المحن التي عاناها عالمنا مع الأوبئة التي قضت على مئات ملايين البشر عبر التاريخ، وانتصار الإنسان عليها رغم شدّتها. فقد استمرت الحياة، وكانت أقوى من الموت في كل محنة.
واستكمالاً للجزء السابق من النص، سأستعرض في جزئنا الثاني والأخير الدور المأمول من الإعلام في مثل هذه الظروف الاستثنائية، والآليات المثلى في عملية بث المعلومة إلى الجماهير، والمسؤوليات الأخلاقية التي يجب أن يتمتّع بها صنّاع الرأي العام.
إذا كانت الإجراءات الاحترازية التي توصي بها المرجعيات الصحية العالمية ضرورية جداً للحد من انتشار “كوفيد 19″، فإن هذا الأمر يجب ألا يكون مدعاة للهلع عند أفراد المجتمع الإنساني. هنا تبرز قيمة الدور الذي يمكن للإعلام القيام به في أوقاتنا العصيبة التي يمرّ بها عالمنا المرتبك! الإعلام الحقيقي والمسؤول مطالب بلعب دور المهدِّئ الشفاف، إذ في مثل هذه الظروف، يحتاج أفراد المجتمع إلى شكل هادئ ورصين في عملية بث المعلومة إليهم، فضلاً عن حاجتهم الماسة إلى الدعم المعنوي والتخفيف من الآثار الناجمة عن “صدمة المواجهة” مع هذا التحدي الجديد. إلى جانب ذلك، من المفيد تشكيل المعلومة في إطار إيجابي، قدر المستطاع، على خلفية أن الإنسان استطاع على مر التاريخ الانتصار على العديد من الأمراض الوبائية المماثلة التي أسقطت أعداداً هائلة من الضحايا بسبب التفشي الكبير لتلك الأوبئة في العالم.
غير أنه ومع السيل الجارف للقصص السطحية والفوضى العارمة في تناقل المعلومات والأخبار التي تفيض بها وسائل التواصل الاجتماعي، تصبح معركة الإعلام ذات شقين؛ الأول: استقاء المعلومات من المصادر الطبية المتخصصة ضمن أخلاقيات المهنة وإيصالها بكل أمانة بعيداً عن التهويل وإثارة الذعر بين أفراد المجتمع.. أما الشق الثاني، فيتمثل في محاولة لجم الفوضى واللامسؤولية التي تهيمن عموماً على تلك الوسائل التواصلية عبر الوسائل ذاتها الخاصة بالمؤسسات الإعلامية. ومع مرور الوقت، سيدرك المتلقّي أنه كلما ازداد وعياً نأى بنفسه بعيداً عن الانخراط في “المماحكات” وهدر طاقاته الذهنية والجسدية على هذه المنابر “الحرّة”! واتجه أكثر صوب نوع من التأمل المعرفي والمحاكمات المنطقية؛ للتحقق من صدقية الأخبار التي تضخها ماكينات الإعلام في العالم على مدار الساعة.
وإذا كان الخط الفاصل بين العلم والخرافة رفيعاً للغاية، فإن هذه المسافة هي ذاتها التي تفصل بين الإعلام الرصين المسؤول الذي يؤدي بوظيفته في المجتمع على أكمل وجه، وبين اللهاث وراء رمي المعلومات كيفما اتفق بصرف النظر عن آثارها.