إذا تناولنا مفهوم العلاقات كمصطلح مجرد، نكتشف ببساطة مدى أهميته في حیاتنا وتفاعلاتنا، فالإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، ولا يمكنه الاستغناء عن محيطه الذي يؤثر ويتأثر به، بل أثبتت الدراسات أن العلاقات تلعب دورًا حاسمًا في نجاح الأفراد، وكلما اتسعت دائرة علاقاتك، تزداد فرص نجاحك، كما أن الفرص ذاتها ستتعزز بامتلاكنا علاقات مميزة مع شخصيات تقاطعت مسيرتنا معهم.
ولهذا السبب، ظهر دور المؤثرين على قنوات التواصل الاجتماعي، بعد أن تمكنوا من نسج علاقات واسعة، وحرصوا على تنميتها وتطويرها وتقديرها، الأمر الذي دفع الشركات والوكالات المتخصصة للاستفادة من شبكات علاقاتهم الواسعة في مجالات حصرية، ما يعني سهولة الوصول إلى الشريحة المطلوبة بسهولة ويسر.
ومع أن بعض المؤثرين يحاولون النأي بأنفسهم عن استغلال هذه العلاقات وتوظيفها لأغراض التسويق والترويج، إلا أن مجرد وجودهم على تلك القنوات، وتوثيق أنشطتهم اليومية، وتفاعلاتهم مع غيرهم لتوفير احتياجاتهم، أدى إلى تحويلهم إلى أدوات تسويقية، بقصد أو من دون قصد.
ومن هنا، نشأت الحاجة إلى الاستعانة بهم أولاً في حملات اجتماعية لنشر قيم سامية، من قبيل نشر التوعية وحشد الدعم تجاه قضايا معينة. وهنا تتبادر إلى أذهاننا مشاركة نجوم السينما كسفراء مع منظمات دولية لتسليط الأضواء على معاناة اللاجئين والمشردين، أو حتى إسهاماتهم لمناصرة ودعم مرضى السرطان، وغيرها من الأمراض الفتاكة التي تهدد البشرية.
وبفضل وجودهم الواضح على تلك القنوات، وجد خبراء التسويق أن الدخول في شركات مع هؤلاء المؤثرين على أسس واضحة، تساعدهم على تحقيق مآربهم، والوصول إلى فئات معينة، قد يتعذر الوصول إليها من خلال منصات التسويق التقليدية.
لكن يبقى السؤال الأهم، وهو: كيف يمكن التوصل إلى علاقة سليمة قائمة على أسس أخلاقية تتوافق مع القيم والمبادئ التي تسعى أي علامة إلى ترسيخها لصورتها في أذهان عملائها؟
في البداية، يتعين على الشركة التي اختارت التحالف مع شخصية مؤثرة أن تقوم بدراسة تاريخها عن كثب وبشكل عميق، والاطلاع على مسيرتها المهنية.
كما ينصح أيضًا بضرورة تحليل أي بيانات تم جمعها عن تلك الشخصية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، وتقييم مدى تاثيرها على ارتباط تلك الشخصية بالمنتج المراد تسويقه أو بالعلامة التجارية ككل. ويمكن للشركة الاستعانة بأطراف أخرى لإجراء هذه الدراسة قبل إصدار قرارها حول تلك الشخصية.
وإذا ما توصلت الإدارة إلى قرار نهائي يقضي بالدخول في علاقة شراكة مع تلك الشخصية، يفضل الكثيرون أن تكون الاتفاقية محددة المدة مسبقًا، أو حصرها في نشاط معيّن، مع ضرورة مواصلة رصد نشاط الشخصية ومدى ارتباطها بأي منتجات أو علامات أخرى.
وبعد الاطلاع على مكامن القوة، وأعداد المتابعين، وتنوعهم واتساع نطاق انتشارهم، هناك نصائح تقليدية نحرص في “سيسيرو وبيرناي” على تطبيقها في واقعنا عند توظيف المؤثرين في أنشطتنا وحلولنا المقترحة، ومنها تقييم مدى مطابقة سمات الشخصية المؤثرة مع النشاط المزمع الترويج له، وقدرته على ترك أثر إيجابي سريع في نفوس متابعيه.
ومع ذلك، لا يتوقف دورنا عند هذا الحد، بل نعمل مع هذه الشخصيات المؤثرة عن قرب، ليس فقط في صياغة الرسائل الإعلامية، بل يكون لنا دور مباشر في تحديد كيفية إخراجها، وطريقة توجيهها، ومواعيد نشرها، ومن ثم رصد تفاعل المتابعين سلبية كانت أم إيجابية، وإعداد الردود والتعليقات المناسبة عليها.
إن هناك الكثير من الحالات التي تدعم هذه النصائح، وضرورة الأخذ بها عند إبرام أي علاقة مع أي شخصية مؤثرة. صحيح أن هناك نماذج فاشلة تركت أصداءً سيئة على أسماء لامعة، لكن حالات النجاح لا تعدّ ولا تحصى، وسيظل دور المؤثرين مهمًا، وفي مقدمة الخيارات التي يمكننا الاستعانة بها ضمن استراتيجيات العصر الجديد للعلاقات العامة.